الباحث في الاقتصاد السياسي أحمد بهجة كتب اليوم في جريدة البناء بعنوان 5 آب أخطر من 5 أيار...! 5 آب أخطر من 5 أيار...! أحم
الباحث في الاقتصاد السياسي أحمد بهجة كتب اليوم في جريدة البناء بعنوان: 5 آب أخطر من 5 أيار...!
5 آب أخطر من 5 أيار...!
أحمد بهجة
كنا قبل يوم أمس، إذا أردنا اتخاذ موقف وطني لا غبارَ عليه، فما علينا إلا الوقوف ضدّ سمير جعجع في كلّ ما يقول ويفعل، وعندها يكون موقفنا صائباً مئة في المئة تجاه أيّ قضية أو مسألة مطروحة في البلد سواء في السياسة أو في الاقتصاد أو في الأمن أو في العلاقات الخارجية أو في أيّ شأن آخر.
لكن... ومع الأسف الشديد، بات علينا أن نضع في صفّ المدعو جعجع رئيس الحكومة نواف سلام وعدد غير قليل من وزراء حكومته الذين ارتكبوا المعصية الكبرى ليس فقط ضدّ المقاومة بل ضدّ لبنان وشعبه ومستقبل أجياله.
هذا أقلّ ما يُقال عن القرار الذي صدر الثلاثاء عن جلسة مجلس الوزراء بتكليف الجيش اللبناني بوضع خطة لحصرية السلاح قبل نهاية العام الحالي، بمعنى أنّ جهابذة الحكومة أرادوا من قرارهم هذا وضع الجيش في مواجهة المقاومة كما طلب منهم مشغّلوهم الخارجيون، لكن الجيش والمقاومة هما في صفّ واحد منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي حين أعاد الرئيس المقاوم العماد إميل لحود توحيد الجيش وبناء هذه الوحدة على أسس وطنية خالصة وإرساء عقيدة قتالية واضحة في مواجهة العدو الصهيوني، وهذا ما تجلّى على أرض الواقع استناداً إلى المعادلة الذهبية "الجيش والشعب والمقاومة" والتي كان لها الأثر البارز خلال العقود الماضية في كلّ ما حققه لبنان من إنجازات وانتصارات توّجت بالتحرير الكبير عام 2000 وبالانتصار الكبير عام 2006.
ومما لا شك فيه أنّ الجيش والمقاومة باقيان على هذا العهد ومعهما الشعب الذي لمس وشاهد وعاش تفاصيل تلك المرحلة التي أثمرت استقراراً وعمراناً وثقة واعتزازاً بالوطن إلى أقصى الحدود.
لن يؤثر على ذلك أيّ قرار يُتخذ على عجل "غبّ الطلب" ليس تلبيةً لمصلحة وطنية إنما استجابة لإملاءات خارجية تريد للبنان السّير مع المستسلمين والالتحاق بما يُسمّى "الاتفاقات الابراهيمية" التي تسمح للعدو بالهيمنة والسيطرة على مقدّرات المنطقة وخيراتها بالتكافل والتضامن مع الأميركي المفلِس داخلياً والذي يريد تعويم اقتصاده من خلال السطو على تريليونات الدولارات من الخليج، فيما لا يرفّ جفن لكلّ هؤلاء أمام مأساة شعبنا الفلسطيني وتحديداً في غزة المحاصَرة والمجوَّعة على مرأى ومسمع ما يُسمّى "المجتمع الدولي" الذي يدّعي الحضارة والتقدّم وحقوق الإنسان...
قبل الجلسة ببضعة أيام كان جعجع (ما غيره) قد ادّعى بأنّ 75 في المئة من اللبنانيين يعارضون بقاء سلاح المقاومة! والسؤال الأول الذي يتبادر إلى الذهن فور سماع هذا الكلام هو: من أين جاء جعجع بهذه النسبة المئوية؟ الأكيد أنه لم يكلّف أيّ جهة مختصة بإجراء استطلاع للرأي في هذا المجال. والأكيد أنه يرمي الكلام كعادته "كيف ما كان"، المهمّ بالنسبة له أن يستهدف المقاومة، وأن يلبّي ما يُطلب منه خارجياً من دون أيّ حساب للمصلحة الوطنية التي تفرض على كلّ من يتعاطى الشأن العام أن يأخذها بعين الاعتبار.
أما التحدّي الفعلي أمام جعجع ومَن معه وصار على رأسهم اليوم رئيس الحكومة، فهو أن يحتكموا فعلاً للرأي العام، من خلال استطلاع للرأي العام بشكل علمي وجدّي من قبل جهة موثوقة، لمعرفة ماذا تريد غالبية اللبنانيين ومعرفة الموقف الحقيقي لهذه الغالبية من سلاح المقاومة، وأن يتمّ التركيز في هذا الاستطلاع على رأي المواطنين اللبنانيين من كلّ الطوائف والمذاهب، وخاصة الذين يواجهون باللحم الحي التهديدات الوجودية سواء من العدو الإسرائيلي على الحدود الجنوبية أو من العدو التكفيري على الحدود الشرقية الشمالية.
هؤلاء الناس يريدون حماية عائلاتهم وأرزاقهم وبيوتهم، وهم اختبروا ولمَسوا بأنفسهم كيف أنّ المقاومة وفّرت لهم الحماية طوال السنوات الماضية، وردعت الأعداء ووضعت حداً لكلّ تهديداتهم، وقدّمت في سبيل ذلك التضحيات الكبيرة، في ظلّ الغياب التامّ للدولة عن تلك المناطق الحدودية.
طبعاً لا أحد يمانع أن تعود الدولة لتتحمّل مسؤولياتها وتأخذ دورها في حماية البلد وناسه وحدوده واقتصاده وثرواته وخيراته. على العكس تماماً، هذا هو مطلب الناس القديم، وهم لجأوا إلى تأمين وسائل الحماية الذاتية لأنّ الدولة لم تكن موجودة، والكلّ يذكر نداءات سماحة الإمام المُغيّب السيد موسى الصدر ومطالباته الكثيرة للدولة في فترة ستينيات وسبعينيات القرن الماضي بتوفير الحماية للمواطنين في الجنوب والبقاع الغربي الذين يتعرّضون يومياً لاعتداءات ومضايقات وسرقات وغزوات لا تهدأ من قبل العدو "الإسرائيلي" ومستوطنيه.
وهذا ما كان يجب على الحكومة الانتباه له بالأمس وأخذه بعين الاعتبار، إذ قبل تكليف الجيش بوضع خطة لحصر سلاح المقاومة، وقبل افتعال مشكلة بين اللبنانيين، كان على الحكومة تكليف الجيش بوضع خطة لحماية لبنان من الاعتداءات "الإسرائيلية"، وإلى جانب البحث في بسط سيادة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية يجب أيضاً البحث في بسط سيادة الدولة على كامل الأجواء اللبنانية التي يستبيحها العدو يومياً وينفذ اعتداءات إجرامية على المواطنين العزّل في أكثر من منطقة لبنانية، كان آخرها في بريتال بعد ظهر الثلاثاء الفائت، أيّ عندما كان مجلس الوزراء مجتمعاً في قصر بعبدا.
في المحصّلة... لا قيمة لأيّ قرار لا يعطي الأولوية لحماية لبنان ولصدّ أيّ عدوان خارجي من أيّ جهة أتى، وبهذا المعيار يصبح قرار 5 آب 2025 أخطر من قرارات 5 أيار 2008، والتي عادت الحكومة البتراء آنذاك وتراجعت عنها بعد 7 أيار، فهل سنسمع أحدهم يقول بعد حين "حمّسوني"؟
ان ما ينشر من اخبار ومقالات لا تعبر عن راي الموقع انما عن رأي كاتبها